ابتسم قبل القراءة
قصة جحا والحكماء الثلاثة
في أحدِ الأيّام جاء إلى مدينة جحا ثلاثة رجال حكماء، ونزلوا هؤلاء الرجال في قصر السلطان، وبينما كانوا يتناولون الغداء سألوا إن كان يوجد في المدينة رجالٌ أذكياء يحلّون الألغاز الصعبة، ففكر السلطان في الأمر، وفكر أن جحا هو أذكى رجل في المدينة، فأرسل في طلب جحا على الفور، فارتدى جحا أجمل ما لديه من ثياب، ووضع على رأسه العمامة حتى يبدو مثل الرجال الحكماء، وبعد أن وصل إلى قصر السلطان، رأى جمعًا من الناس ليشهدوا على طريقة حل جحا للألغاز، وبمجرد أن نزل جحا عن ظهر حماره ذهب إليه الحكيم الأول وسأله: أيها الحكيم، أين يوجد مركز الكرة الأرضية، وفورًا أشر جحا إلى رجل حماره اليسرى، وقال: هنا تمامًا هو مركز العالم، فأجابه الرجل الحكيم: ومالذي يثبت صحة كلامك يا جحا ؟، فقال له جحا مستهجنً: إن كنت تشك في صحة كلامي، فما عليك إلا أن تبدأ بالحفر في هذا المكان، وسترى بنفسك، وإن كنت على خطأ فمن حقك أن تصفني بالجهل.
نظر الحكماء الثلاثة إلى بعضهم بعضًا، وساد الصمت، وبعدها سأل الحكيم الثاني جحا: كم عدد النجوم في السماء يا جحا؟، فقال جحا دون تردّد: عدد شعر الحمار، قسأله الحكيم: وكيف عرفت هذا؟، فقال جحا: إن لم تصدقني فقم بعد شعر حماري بنفسك، فسأله الحكيم بحدّة وغضب: وكيف يمكن لأي شخصٍ أن يجلس ليعدّ شعر حمار؟، فأجابه جحا: وهل يمكن لأي شخصٍ أن يعدّ نجوم السماء؟
فنظر الحكماء الثلاثة إلى بعضهم البعض ولم يستطيعوا الإجابة على سؤال جحا، وبعدها تقدم الحكيم الثالث ليسأل جحا وقال له: حسنًا يا جحا، ما دمت لا تعرف عدد نجوم السماء، فكم عدد شعرات رأسي؟، فأجابه جحا فورًا ودون تردد: نفس عدد الشعرات الموجودة في ذيل حماري، فسأله الحكيم: وما إثبات ذلك يا جحا؟، فأجابه: انزع إحدى شعرات رأسك، وانزع شعرة من شعرات ذيل الحمار، وهكذا حتى انتهاء جميع الشعرات، فإن انتهى عدد الشعرات معًا أكون على صواب، وإلا فإنني على خطأ. ضحك الحكماء الثلاة معًا وقالوا: كم أنت ذكي وحكيم يا جحا، لقد أثبتّ حقًا أنّك رجلٌ حكيم وذكي، لكن أخبرنا من أي جاء لك هذا الذكاء الخارق لحلّ هذه الألغاز الصعبة، فأجابهم جحا: إن كانت الأسئلة غير معقولة، فلا بدّ أن يكون لها إجابات غير معقولة، وهذا يكفي لإفحام من يسأل أسئلة كأسئلتكم، وبهذا انتهت قصة جحا مع الحكماء الثلاثة.
قصة الحمامة والصياد
في يومٍ من الأيَّام الصيفية الجميلة كان يسير صيادٌ في الغابة الخضراء التي اعتادت الحيوانات كلها أن تكون آمنة، وكان يحمل الصياد في يده شبكة كبيرةً جدًّا وقد عزم على أن يصيد أكبر قدرٍ ممكن من الحمامات، فقد سمع في الآونة الأخيرة أنَّ سعرها بات عاليًا وكثُر طلب النَّاس عليها، واختار الصياد بقعة كبيرةً خالية من الأشجار وفرش فيها شبكته الكبيرة جدَّا، ثم رشَّ على الشبكة بعضًا من حبوب القمح التي تحبها الحمامات وتأكلها أينما وجدت. اختبأ الصياد خلف إحدى الشجرات الكبيرة بعيدًا عن أعين الجميع، حتى لا تشعر الحمامات بوجوده فتهرب منه وتخاف، إذ إنّ الحيوانات هي من المخلوقات الحسَّاسة التي تشعر بوجوده وتهرب منه، وما هي إلا بضع ساعات مضت حتَّى أتت أول حمامةٍ ووقفت على الشبكة وصارت تأكل من حبَّات القمح تلك، ولمَّا رأت حمامةٌ أخرى صديقتها تأكل من حبّات القمح اللذيذة دون أن يصيبها مكروه تقدّمت بهدوء وبطءٍ وأخذت تأكل معها، وما هي إلا دقائق حتى تجمع فوق الشبكة عدد كبير من الحمامات البيضاء الجميلة.
وما هي إلا دقائق حتَّى تقدَّم الصَّيَّاد وشدَّ الشبكة إليه وصارت الحمامات كلها مأسورة في تلك الشبكة الظالمة، وصارت كل حمامةٍ تطير في جهةٍ من الجهات وهي تُحاول أن تُنجي نفسها من خطر الموت الذي يترصَّد بها، وصار الصَّياد يرقص فرحًا وطربًا بهذا الصيد الثمين والحمامات تتخبط يمنة ويسرة وقلوبهنّ تخفق من الخوف، وفجأة كانت بينهنّ حمامةٌ حكيمةٌ وذكيةٌ وصارت تُفكر في الحيلة التي من الممكن أن تُخلّصهم من هذه المشكلة العظيمة، وصارت تتشاور مع صديقاتها الحمامات وفجأة خطر في بالها خاطرٌ ذكي.
قالت الحمامة: يا صديقاتي العزيزات لو فكرت كلّ واحدةٍ منكنّ بالخلاص لنفسها فقط فإنَّ ذلك لن ينفع في شيء وسنموت معًا، ولكن خطرت في بالي فكرة ويجب عليكنّ جميعًا أن تُساعدنني بها، قالت الحمامات: وما تلك الفكرة؟ قالت الحمامة: يجب أن نطير جميعًا في جهةٍ واحدةٍ حتى نمنع الصياد من أخذنا، وستكون الجهة التي نطير بها إلى الأعلى حتى لا يتمكّن من التقاطنا. تهيَّأت الحمامات جميعهنّ وبدأت أنحتهنّ بالخفق والطيرات حتَّى تمكّن من الطيران إلى السماء وهناك استطعن أن يهربن من الصياد الجشع، فكان مشهد سرب الحمام الذي يطير في شبكة الصيد رائعًا بحيث شدّ انتباه الحيوانات كلهم إليه، وطارت الحمامة إلى مكانٍ آمنٍ بعيدًا عن الصيَّاد حيث يعيش صديقها الفأر، الذي تمكّن بفضل أسنانه القوية من قطع شبكة الصيد وتحرير جميع الحمامات. إنّ العبرة المستفادة من هذه القصة هي أنَّ التعاون هو السبيل الوحيد للنجاة، ولمّا يُفكر الإنسان بغيره ويُحاول أن يُساعده فإنَّه يساعد نفسه بشكل أو بآخر، وبهذا ينجو جميع أفراد المجتمع من الخطر.
No comments
Post a Comment