ابتسم قبل القراءة

قصة الأرنب فيروز وملك الفيلة

كان يا ما كان في سالف الأزمان أرض من أراضي الفيلة تتابعت عليها السنون والقرون.. وفي سنة من السنين أجدبت تلك الأرض السعيدة وقل ماؤها، وجفت عيونها فذوى عشبها ونباتها، ويبس شجرها وعودها. فأصاب الفيلة عطش شديد فقرروا تقديم شكواهم الى ملكهم عله يجد لهم حلاً.فأرسل الملك رسله ومستشاريه في طلب الماء في كل جهة وصوب وبعد حين من الزمان رجع اليه الرسل، فأخبروه أنهم وجدوا بمكان كذا عيناً من الماء يقال لها عين القمر.وهذه العين وافرة المياة العذبة.. فتوجه ملك الفيلة بأصحابه الى تلك العين يشرب منها هو وفيلته - وفي واقع الأمر والحال فإن تلك العين كانت تقع في أرض الأرانب، الذين أوطوا جحورهم بعد وصول الفيلة فأهلك الكثير منهم.

فاجتمعت الأرانب الى ملكها للمشورة والنصح قبل فوات الآوان وقالت له:لقد علمت ما أصابنا من الفيلة من مصائب وأهوال وجئنا اليك لطلب الحل نحن الضعفاء أمام جبروت الفيلة.فقال الملك: ليُحضر كل ذي رأي رأيه، فتقدم أرنب من الأرانب يقال له فيروز وكان الملك يعرف هذا الأرنب حق المعرفة لما له من سداد الرأي والأدب.فقال فيروز للملك أرى الملك أن يبعثني الى الفيلة ويرسل معي أميناً ليرى ويسمع ما سأقول لهم ويرفعه للملك.

أجابه الملك أنت أمين ونرضى بقولك، فانطلق الى الفيلة وبلغني سريعاً عما يدور بخاطرهم. وأعلم كل العلم أن رسول الملك برأيه وعقله ولينه وفضله، فعليك باللين والرفق والحلم والتأني فإن الرسول هو الذي يلين الصدور إذا رفق ويخشن الصدور إذا خرق لذلك أوصيك بالانتباه الى ما سيقوله الفيلة بكل صبر وجلد ولا تكن عجولاً بجوابك فكر مليا قبل اتخاذ أي قرار فرح فيروز بنصائح الملك كل الفرح اضافة الى الثقة التي اولاها اليه.. فعد العدة وجهز حاله وانطلق في ليلة قمراء حتى انتهى به المطاف في أرض الفيلة.

واثناء سيره بينهم كان حذراً كل الحذر مخافة ان يطأه أحد الفيلة بأرجله فيرديه ميتاً في الحال وان كانوا غير متعمدين ذلك.وحين توسط الأرض نادي على الجبل، ونادى ملك الفيلة وقال له: ان القمر أرسلني اليك والرسول غير ملوم فيما يبلغ وإن أغلظ في القول.قال ملك الفيلة: فما الرسالة.قال فيرزو: يقول لك (القمر) انه من عرف فضل قوته على الضعفاء فاغتر بذلك في شأن الاقوياء قياساً لهم على الضعفاء كانت قوته وبالاً عليه..وانت قد عرفت فضل قوتك على الدواب فغرك ذلك فعمدت إلى العين التي تسمى باسمه.. فشربت منها وكدرت صفاءها.. لذلك ارسلني اليك ملك تلك العين.

أنذرك ان تعود اليها ابعد عنها، اتركها لأهلها الذين عاشوا فيها لأجيال واجيال.. وانك اذا فعلت عكس ذلك سيغشى بصرك ويتلف عودك.وان كنت في شك من رسالتي فلتهم الى العين من ساعتك فانه موافيك بها لا محال.عجب ملك الفيلة اشد العجب لما سمعه من الأرنب فيروز فانطلق بأقصى سرعته نحو العين مع فيروز..فلما نظر ملك الفيلة الى عين الماء الصافية رأى ضوء القمر يتلالأ فيها..فقال له فيروز: خذ بخرطومك من ماء العين واغسل به وجهك واسجد للقمر..فأدخل الفيل خرطومه في الماء فتحرك.. فخيل لملك الفيلة ان القمر ارتعد..

فقال: ما شأن القمر ارتعد؟اتراه من ادخالي خرطومي في الماء؟قال فيروز: نعم فسجد الفيل للقمر مرة اخرى وتاب اليه مما صنع: وشرط ان لا يعود الى مثل ذلك هو ولا أحد من فيلته.وبذلك عادت العين الى الأرانب بدهاء فيروز.ان هذه الحكاية ذات الابعاد العميقة لابن المقفع قد حورت الى قصيدة شعرية لأحد الشعراء المعاصرين.. مفادها.. بعد ان استولى الفيلة على عين الماء.. طلب ملكهم المشورة من ابناء شعبه الأرانب.. واخذ كل واحد منهم يدلي بدلوه لحين استقر الرأي على ثلاثة منهم.فخرج الأول للخاطب وقال يا معشر الأرانب.. ان نترك الارض كي نستريح من أذى الخشوم.. اما الخطيب الثاني فانه اقترح ان يضحي ببعض الأرانب مقابل ترك الفيلة الأرض.

اما الأرنب الثالث الذي قال يامعشر الأرانب من شاعر وكاتب و.. اتحدوا ضد العدو الجافي فالاتحاد قوة الضعاف.. ولنحفر حفرة كبيرة نهلك بها الأعداء.وأخذ برأي الأرنب الثالث الحكيم وحفروا حفرا واسعة على طول العين صدت الفيلة وبذلك تخلصوا منهم وعادت العين اليهم.رحم الله أبي كانت تلك القصيدة مثاله الأعلى فحفظها عن ظهر قلب... وكان في أغلب الأماسي يرددها لنا.. لحين حفظناها عن ظهور قلوبناعلمناها لأولادنا.. واحفادنا! لا لمعانيها فحسب بل لمضامينها التي تعكس واقع حياتنا في بعض الأحيان.